إن هذه الحلول أو "الحيل" المبتدعة تهدف إلى عدم مخالفة الضوابط الشرعية بينما توجد مخارج ترفع الحرج على العاملين في المجال. إن البحث عن مخارج ورخص في الفقه الإسلامي في بعض المسائل المحرجة على الناس، ليس هو بالأمر الجديد، وله أمثلة بمسائل قديمة كذلك يعرفها المختصون.
وربما كانت من أقرب الأمثلة في عصرنا اليوم هو ما نحي في مجال البنوك والمعاملات المالية الحديثة، من محاولة لإيجاد حلول ورؤى تتفادى المخالفة الصريحة للضوابط الإسلامية وتقدم بدائل أكثر إباحةً تمكن الكثير من الراغبين من التعامل بالتعاملات البنكية الحديثة -إلى حد ما- دون تحرج مع بقاء الإلتزام بالتعليمات الإسلامية. هذا وإن لم تكن ما قدم للآن كلها حلول مثالية، لكن ربما يكون من شأنها كغيرها من المجالات الجديدة التي تتطور وتتحسن مع الوقت والتجربة التطبيقية. إن الإجتهاد المخلص -ما أمكن- في هذه الجزئيات في أعين الكثير أفضل بشكل مؤكد من الخوض المباشر فيما يبدو محرماً بشكل صراحةً، وعدم الإكتراث لأي تعليمات شرعية بالبتة.
إن مجال الأعمال المرئية لم يحظى إلى الآن بما حظي به مجال البنوك والمعاملات المالية، ونحن هنا نجتهد في إقتراح بعض الحلول لبعض المشكلات التي غالباً ما ستواجهة الملتزمين بالتعليمات الإسلامية في صنعتهم.
إن جزءاً من التمثيل الجيد يدفع الممثلين لمحاولة تقمص الأدوار التي يقومون بها، وربما أحسوا في ذلك وكأنهم حقاً الأشخاص الذين يقوموا بتمثيلهم. إن من شأن هذا التكتيك أن يساعد في ظهور المشاعر والتعابير بشكل أقرب للحقيقة، وأبعد من كونه ’تمثيلاً ظاهراً أو ضغيفاً‘. من هذا المنظور، عندما يمثل لدينا ممثلين من جنسين مختلفين على أنهما متزوجين، غالباً ما يتوقع منهم أن يتصرفوا بشكل قد لا يكون مقبولاً (شرعاً) لمن هم غير متزوجان حقيقيةً. بل قد يكون تصرفهما بهذه الطريقة مدخلاً لإنحرافات في علاقتهما سوياً قد تتجاوز كذلك التمثيل. وليست هذه العواقب بالأمر الغريب لمتتبع سير الكثير من الممثلين والممثلات، الذين تجاوزت علاقاتهم ببعض في أكثر من حالة إلى علاقة فيما بعد التمثيل.
إن من الصعب على الممثلين الملتزمين بالتعليمات الإسلامية من الجنسين المختلفين بأن يمثلوا أنهما زوجين بشكل مقنع ذو مصداقية ويتفاديان تخاطب الزوجين لبعضهما البعض وكذلك نظرتهم الطبيعية لبعضهما. بينما لو شيئاً ظهر لنا في الحياة العامة من تقارب الزوجين الحقيقين من بعضهما البعض وملامستهم لبعض، مع شيء من العاطفة بينهما في التعابير والكلام، لا يجد جماعة من الملتزمين فيه من حرج، ويمكن أن يعدوه من المقبول إن علم أنهم بالفعل متزوجين.
لذلك قد يكون أحد الحلول لرفع حرج تمثيل الزوجين، ألا يمثل دور الزوجين إلا من كانوا هم كذلك حقيقةً أزواجاً. وبالتالي يسقط جزء كبير من الحرج والتوجس الذي قد ينجم عندما يكون الممثلين أجنبيين (أو من غير المحارم). وقد يساعد كونهم في الحياة الحقيقة متزوجين بشكل طبيعي من مصداقية وواقعية المشاهد المرئية.
يجدر التنويه هنا أننا عندما نتحدث عن العلاقة العاطفية بين الزوجين، فإننا نقصد النوع الذي لا يرى به الملتزمون هموماً حرجاً أو بأساً من إظهاره أمام عامة الناس (مثل في الشارع)، ومنها ربما مسك أو لمس الزوجين لأيدي بعضهما، تبادل الابتسامة بينهما والكلام المشاعري إلى حد ما، إطالة النظر إلى بعضيهما دون تحرج، المجالسة لبعضهما البعض بمسافة قريبة، ونحو ذلك. ولا نقصد به أبداً المظاهر التي تستنكر من الملتزمين في الأماكن العامة، كـ’القبلات الحارة‘ أو ما يحدث في غرف النوم بينها، ولعل الأمر يشمل وان كانت ايحاءاً. إن للسينما "الإيرانية" بعض التجارب مع هذا الحل، لعله تدرس باستفاضة، ويستفاد منها أكثر.
ويمكن أن نطبق نفس الحل منطقاً على الأب وإبنته الكبيرة والأم وابنها الكبير، بحيث يكون الممثلين حقيقةً ممن تجمعهم نفس تلك العلاقة ببعضهما أو ربما بدرجة ثانية كأن يكونوا من المحارم لبعضهم البعض. وربما يصح التمادي مع هذه الحيلة لتطبيقها على كل متحابين من الجنسين المختلفين في العمل، حتى وإن لم يكونوا يمثلون في سرد القصة أنهما متزوجين، مما نفترض أنه في ذاته مما لا يحرم رؤيته مجرداً لعامة الناس.
يتصور أن يكون هذا الحل (اشتراط العلاقة الحقيقية للممثلين من الجنسين المختلفين) غريباً بعض الشيء في بادئ الأمر، وقد يتسبب في صعوبة إضافية لإيحاد الممثلين الذين ينطبق عليهم هذا المعيار، لكن الأمر قد يهون تدريجياً إن كتب لهذه الحيلة الانتشار في التطبيق. ولربما خلقت سوقاً جديدة للممثلين الذين يمثلون كزوجين مع بعضهم البعض. وهو -والله أعلم- كما يبدو أفضل من الوضع الحالي الذي يتصرف فيه شخصين لا تربطهم علاقة شرعية ببعضهما على أنهما زوجين ويتصرفون تمثيلاً طبقاً لذلك. إضافة أنه بإمكان هذه الحيلة أن تساعد الممثلين والممثلات الملتزمين دينياً من تشجع دخول هذا المضمار بتحرج أقل من السابق.
يجيز الكثير في الموروث الفقهي نظر الجنسين إلى بعضهما البعض من غير المحارم في حال اقتصر على ما لا يعتبر عورة. وإن سلمنا أن عورة الرجل أمام العامة هي من السرة إلى الركبة وعروة المرأة كذلك هي جميع بدنها ماعدا وجهها وكفيها مع ساعديها وقدميها. يكون مباحاً -بحسب الموروث الفقهي- لكل جنس النظر إلى هذه المناطق التي ليست "بعورة" من الجنس الآخر. وقد ذكروا كذلك ألا تكون النظرة إلى الأماكن من غير العورة بشهوة، فإن كانت بشهوة حرموا النظر إليها كذلك. كما ذكروا أن النظر إلى تلك المواضع -المباح كشفها- يفضل أن يكون للحاجة فقط، وألا يطيل الجنسين من غير المحارم في النظر لبعضهما دون داعي. وأكد الكثير منهم على أن المسؤولية بالنهاية في حالة نظر أحد إلى الآخر عموماً بشهوة، أنها تقع على الناظر لا المنظور إليه، لم يكشف أكثر مما سمحت به التعليمات الشرعية.
إن اعتماد الأعمال المرئية على نظر الناس إليها بطبيعتها، وكون المشاهَدين يُروا ولا يَروا من يراهم، لأمرٌ من شأنه أن يخفف -كما يبدو- من كلفة تفرج المشاهدين للممثلين، فيكون بذلك أمر إطالة النظر إلى الجنسين لبيعضهما البعض أمراً أسهل ربما بما لو حصل في الواقع مباشرةً. كما يحرص الكثير من صناع الاعمال المرئية على اختيار الممثلين من ذوي الجمال والمظهر المستحسن، ما قد يفاقم الأثر السلبي الناجم عن هذه الطريقة من النظر -ان وجدت. ولتخفيف وطأة هذه الإشكالية المتوقعة، يمكن عمل التالي:
أولاً: أن يمارس المشاهد رقابة ذاتية على نفسه عندما يتعلق الأمر بالغض من البصر عند مشاهدته الأعمال عموماً، ولا يتمادى في التحديق خاصة إذا أحس بوادر الإفتتان، إن كانت من لقطة غير متكررة. أما إن كان الأمور من شيء متكرر ويطول بكل العمل، فيفضل له أن يقلع عن استهلاك العمل بالبتة.
يجدر أن نقر هنا أن مسألة الإفتتان بالآخرين أمر يتفاوت فيه الناس بين الناس في الدرجة وتدخل فيه إلى حد ما مسألة أذواق، وهذا يؤكد على أن المشاهد أولاً وأخيراً، لابد أن يكون رقيب نفسه في المقام الأول، وألا ينسى أن كثيراً من هذه الأعمال هي في الأساس بغرض الترفيه -الغير الضروري- بذاته بالدرجة الأولى، لذا من المفترض ألا يكون هناك حرج كبير من اختيار تجنب بعض الأعمال المرئية.
ثانياً: يفضل للصانع عدم التركيز والمبالغة في اختيار الممثلين بناءاً على الوسامة الشكلية بشكل رئيسي.
أن يكون التركيز أكثر على حسن أداءهم التمثيلي لفن التمثيل بالدرجة الأولى. ويفضل كذلك التشكيل في درجات الوسامة والجاذبية للمثلين، بمعنى أن تعطى الفرص لمن يجيدون التمثيل لكنهم ليسوا من متفوقي الوسامة. وربما مع الوقت يتغير المعيار النمطي المتكلف في اختيار الممثلين ذوي الجمال المميز. أضف إلى أن من شأن تشكيل مظاهر الممثلين، ما يمكن أن يساهم ربما في زيادة واقية العمل أكثر، وهو أمر مطلوب بالعموم كذلك.
ثالثاً: تحفظ الصانع في تصوير الممثلين أكثر من مجرد الضوابط المباحة أن يظهروا دونها. فربما كان من الأفضل التورع عن تصوير الرجال الكاشفين للكثير من أجساد إن كان يخشى من الأمر بعض الإثارة والفتنة، وكذلك للنساء المتزينات بالكثير من المكياج والزينة والجماليات الإضافية. وهنا أيضاً يلاحظ أنه ثم مبالغة في بعض المحتوى المتوفر في الساحة بزيادة التزين مما قد ينافي مسألة الواقعية العمل والمصداقية. ومن ضمنه أن يظهر الممثلين مستيقظين من النوم أو في حالة هروب وخوف، وربما كان عليهم ميكياج مشابه لما يوضع في المناسبات الخاصة.
رابعاً: ربما يفضل للصانع أن يتحفظ عن اختيار الممثلات كشخصيات رئيسية أو تكون الشخصية الرئيسية التي يدور حولها العمل. بسبب أنها لو كانت الشخصية الرئيسية فستكون مشاهدها كثيرة، مما يصعب تطبيق مفهوم غض النظر أكثر، خاصة عند الحاجة له. هنا نحن نفترض أن الفتنة هي على الرجال أشد مما على النساء. لكن يمكن هنا كبديل من نفس الباب إن أرتؤي أنه مناسب أن تخصص أفلاماً تكون أنسب للنساء وأفلام أخرى تكون أنسب للرجال، بحيث يكون تمثيل الجنس الآخر في كل منها أقل حسب الفئة المستهدفة.
خامساً: تفادي اخذ الصانع للقطات القريبة جداً من الممثلين إلا في النادر والسريع عند الحاجة. ومن ذلك اللقطات المركزة على الشفاة أو العينين والخدين أو التي تصور الوجه فقط. حيث من جهة، يصعب مع هذه اللقطات مسألة غض النظر أكثر في حالة الحاجة لها، مقارنة مع إن كانت اللقطة في الشاشة أبعد، وتحتوي على مساحات آخرى يمكن صرف النظر إليها مؤقتاً.
إن هذه الإشكالية قد تتفاقم أكثر مع التطور التكنولوجي في وضوح الصور، وكذلك كلما أصبحت الشاشات في المنازل أكبر وأكثر دقة في التفاصيل.
من جهة أخرى، فإن اللقطات القريبة جداً محاكاً للواقع الحقيقي هي غير ملائمة جداً. للتوضيح؛ إن الإرشاد الطبيعي في طريقة نظر الجنسين لبعضهما البعض في الحياة العامة، غالباً ما يكون مستنكراً من قبل الكثير من الملتزمين بالتعليمات الإسلامية أن يقترب أحد الجنسين إلى الآخر دون حاجة بالدرجة التي تمكنه من رؤيته منظر مطابق أو مشابه للمنظر الذي بإمكانه رؤيته على الشاشة في اللقطة القريبة. فإن كانت المترتب على تحقيق هذه النظرة في الحقيقة منكراً في الحياة العامة، فربما هو غير لائق كذلك تحقيقه عن طريق وسائل التقريب -دون ضرورة- من خلال المنظار أو الكاميرا باستعمال خاصية التكبير والتقريب. فالكاميرات هنا يمكن أن ترينا ما لا يراه الشخص الملتزم الطبيعي في المعتاد بالحياة العادية. لذا يفضل البعد عن هذه اللقطات.
وربما دخلت المسألة كذلك عند البعض بمسألة آداب الخصوصية للأشخاص، وعلى كل حال، فان استخدام هذه اللقطات هو أمر لا يعين في الغالب على مسألة تقليل الفتنة والضرر المتوقع. ويمكن أن يستثنى من هذه اللقطات ما كان لغرض خاص، مثل إصابة في الوجه، مما لا يتصور منه الفتنة.
مما قد قررناه سابقاً أن الفقهاء ذهبوا إلى أن شعر المرأة من العورة. فإن تعمد إظهاره والمشاركة في إظهاره (من القائمين والعاملين على العمل)، فإن ذلك يمكن أن يعتبر من المساهمة في نشر المنكر.
إن التعذر بالرغبة في زيادة المصداقية والواقعية، لا يبدو مبرراً كافياً إجازة تعمد كشف العورات عموماً وإقرار العاملين على العمل لها ومشاركتهم في نشر منظرها للآخرين.
إن طبيعة الأعمال المرئية تتضمنها تحكم القائمين علىها بما يحصل فيها، فلا يصح أن تقارن بما يحصل في الحياة العامة من تفشي كشف بعض العورات، حيث يرى الكثير وجودها في الحياة العامة يخرج عن كونه بنطاق تحكم الشخص المباشر ومسؤوليته.
وكذا كون أن مرأةً أو رجلاً من الممثلين كانا من غير ملتزمون في حياتهم العامة، لا يكون مبرراً تحت المنطق المذكور سابقاً في حدود المسؤولية الشخصية لصانع العمل في أن يتعمد بإظهارهم كذلك في أعماله المرئية. إن من حق صانع الأعمال المرئية عرفاً أن يطلب من الممثل أن يظهر بالطريقة التي يرغبها، والممثلين المحترفين في الغالب يتوقعوا التعليمات بالطريقة التي يرغب منهم الظهور فيها. وفي حالة اعتراض الممثل على جزئية معينة بالمظهر، يمكن للطرفين ألا يعملا سوياً.
إن التساهل في مسألة خلق فرص وظيفية تمثيلية تقتضي على الممثلين كشف عوراتهم من أجل نيلها، تضاف إليه معضلة أخلاقية -كما يبدو- بالإضافة إلى معضلة الإلتزام الشرعي العامة وتناقض العمل المعمول مع القناعات. وهي أن الصانع المتعتمد في طلب التنازل من الممثلين كأنه يحرم بشكل غير مباشر أي ممثل ملتزم من المشاركة في عمله، فقط بسبب أنه ملتزم. وأنه عليه التنازل عن إلتزامه من أجل العمل مع الصانع. فهو بذلك يحرم هذه الفئة من العمل معه، ولعله أكثر من ذلك يكون على بفعله هذا يشجع الملتزمين من الممثلين على عدم الإلتزام بالتعليمات الشرعية من أجل نيل فرص أكثر. وهذا أمر ربما يكون موجود فعلاً، في إضطرار بعض الممثلات خصوصاً من التخلي عن حجابهن بسبب ضغوطات الصنعة وعدم مراعاته لأمر الحجاب في الفرص المعروضة.
ولعل أحد الحلول المبتدعة لهذه المعضلة، بالإضافة إلى ما ذكرناه في جزء التأملات في القيود، وهو أن تظهر المرأة وكأنها كاشفة لرأسها (شعرها)، عند طريق إرتدائها لشعر مستعار أو "باروكة" من الممكن معها أن تغطي كذلك المواضع الأخرى المطلوب تغطيتها حسب التعليمات الشرعية.
وبالتالي يمكن أن تكون الممثلة هي "تقنياً" محجبة، حيث أنها لم تكشف رأسها أو شعرها الحقيقي أمام الآخرين. وتحل بعض المشاهد المشكلة من مشاهد المرأة في بيتها ونحوها.
قد يعترض البعض بأن هذه الحيلة غير مقبولة لأنها خداع، وأن شعر الباروكة قد يكون أجمل من شعر الممثلة الحقيقي. فنعقب على ذلك في التالي:
أولاً، هنا نتحدث عن هذه الحيلة فقط في نطاق التمثيل، لا عن لبس المرأة لها في الشارع والأماكن العامة.
فكما ذكرنا سابقاً أن التمثيل بطبيعته غير حقيقي؛ فلا الممثلين أدوارهم في الغالب حقيقة، والقصة هي مختلقة، والتمثيل بطبعه أصلاً ليس الحالة الحقيقية. إن من "الطبيعي" التعامل مع ما يظهر في هذا المجال بشكل مختلف عن ما يظهر خارجه. إن المجال بلا شك هو أقل حقيقية مما يفترض أن يكون في الشارع والأماكن العامة. إن من المعتاد المقبول في الصنعة خداع الناس، حيث تسخدم المساحيق لإظهار ممثلاً ما مسناً أكثر مما هو عليه، كما يلبس بعض الرجال ما يظهر أنهم صلع أو لديهم كرش كبيرة. لذا فإن المقارنة بين لبس الباوركة في الأعمال المرئية التمثيلية مع لبسها في الحياة العامة غير قويم.
ثانياً، وربما تقليل للحرج، ولأنه ربما هذه الحيلة هي جريئة أكثر من غيرها، أن يتم التنوية في العمل المستخدمة فيه ذاته، بأنها استخدمت، وهذا حرصاً أكبر على تقليل الخداع للمشاهدين.
إن استخدام التنويهات المكتوبة قبل (لمن أراد التحوط أكثر) أو بعد العمل أمر مستخدم ومتعارف عليه في المجال لأمور شتى، منها أن القصة المستخدمة في العمل خيالية أو مبنية على أحداث حقيقية، وأن الحيوانات التي ظهرت بالعمل لم تتضرر بالفعل (أن ضررها عبارة عن خدعة بصرية)، وعلى غيرها من الأمور ذلك. فتتأكد بذلك قلة الخداع من الأمر.
وللتشبيه على مسألة زوال الخداع في معرض ربما يكون مشابه؛ أرأيت إن ظهرت إمرأة محجبة أمام مجموعة من الرجال، ثم قامت أمامهم بوضع شعر مستعار على رأسها فوق حجابها ذاته، أتكون آثمة مخادعة لهم أو كاشفة لعورتها أمامهم، أتصور يتفق الكثير أنها غير آثمة ولا مخادعة هنا بهذه الفعلة المجردة. إن الخشية من الخديعة تبدو جزءاً أساسياً في إشكالية إستخدام البواريك من الناحية الشرعية، فربما متى انتفت وكان لبسها في مجال معين معلوم ومحدود، يتوقع أن يخف أمرها وربما انتفت إشكالياتها.
ثالثاً، إننا هنا لا نتنازل عن بقية الحجاب المطلوب من المرأة حسب التعليمات الإسلامية، فإذا أوهمنا بإظهار شعر المرأة هذا لا يعني أن نظهر بقية العورات. وينبغي أن تزال في ظهورها بالشعر المستعار، محتشمة في بقية جسدها وملتزم بالتعليمات الشرعية البعيدة عن الإثارة والإغراء.
وقد يقول معترض أنه بنفس هذا المنطق يمكن كشف عورات أخر. فقد يصنع ثدي صناعي للمرأة مثلاً ولا يكون هنالك حرج في إظهاره بنفس المنطق. نرد على ذلك بأن الشعر اليوم أنتشر كشفه في مناطق كثيرة حول العالم وصار أمراً معتاداً ومتعارف عليه حتى في كثير من بلاد من في غالبيتهم مسلمين، وليس كشف الثدي مثله من قريب، فمجرد كشف المرأة لثديها في العموم كما يبدو منكر في غالب المجتمعات في الأوضاع والأماكن العادية. كما لا يبدو أن للشعر المكشوف بذاته مجرداً من نفس الإثارة والفتنة ما يكون للثدي لدى عموم الناس. بالإضافة إلى أن شعر المرأة كذلك من الأمور التي لا يرى بها بأس أن تشكف بشكل طبيعي أمام محارمها الرجال، لكن الأمر ليس بكشفها لثديها.
ويمكن أن يقال، خاصة لمن خشي منها، أن يتم استخدامها بشكل مؤقت و في اطر تجعل محدودة أكثر. ويجدر التنويه إلى أنه قد كانت هنالك تجارب لبعض الممثلات المحجبات في الأعمال المرئية "المصرية"، والتي جرب فيها "حل" التحجب بالباروكة، فربما يدرس أكثر للفائدة. والله أعلم.
في الجزء التالي سوف نطرح بعض المواضيع المشكلة الأخرى والمتعلقة بالأعمال المرئية.