يمكن لنا أن نصنف مواقف المؤيدين للأعمال المرئية إلى نوعين:
يرى أصحاب هذا التوجه أنه بالإمكان التوفيق بين الأعمال المرئية والإسلام، فلا يكون هنالك تعارض بالضرورة بينهما. وأن الأمور المشكلة فيها هي ليست أساسية في صلبها، ويمكن الاستغناء عنه. فمثلاً ان اتخذ شخصاً للآراء الفقهية التالية، لن يكون عنده حرج تجاه الأعمال المرئية:
أن يعتبر أن التصوير الحديث سوآءاً الثابت أو المتحرك منه لا يدخل ضمن المقصود بالتصوير المحرم. أن التمثيل والقصص لا تعتبر من الكذب المحرم. أن عمل الجنسين سوياً يمكن أن يكون في صورة جائزة ضمن ضوابط معينة يمكن توفرها. أن الغناء والموسيقى ليست من المحرمات في الإسلام. أن النتائج السيئة المتوقعة من إطالة نظر المشاهدين للممثلين تعود على المشاهدين ذاتهم، لا على الصناع، إن كان الممثلون ملتزمون بالضوابط الشرعية في ظهروهم، وأنه على المشاهد التحكم في بصره وتقيم المسألة على المستوى الشخصي.
وتحت هذا الموقف يمكن أن تندرج أطياف مختلفة، لا تتبنى بالضرورة الرأي الأيسر في كل جانب، فعلى سبيل المثال يمكن ’نظرياً‘ أن تنتج أعمالاً بدون مشاركة نسائية مع الرجال أو ألا يستخدم في العمل أي غناء أو موسيقى لمن لا يروا بجواز هذه الأمور، ومع ذلك يتمكنوا من إنتاج أعمالاً مرئية.
وعلى هذا المنوال يمكن التخفيف والتشدد في أي من الجزئيات المتعلقة بالأعمال المرئية، بالمقدار الذي يجعل العمل مباحاً حسب الآراء الفقهية التي يتبعها الشخص أو الفريق القائم على العمل. لكن ثم مسألتين أساسيتينتين لا يمكن التنازل عنهما، للبقاء ضمن هذا الموقف، وهما رأي إباحة التصوير المتحرك أساساً، ومن بعده- للأعمال الفنية غير الوثائقية- رأي إباحة التمثيل.
ويرى آخرون أنه -على الأقل في الوقت الراهن ومع عموم البلوى بانتشار الأعمال المخالفة للتعليمات الإسلامية في الفضاء العام،ولحاجة الناس لبدائل أفضل، فإنه لا يتطلب من صناع الأعمال المرئية أن يدققوا كثيراً في التزام كل جزئيات الأعمال المرئية مع التعليمات الإسلامية، ما دام أن نفعها المرجو يتصور أن يكون أكثر من ضررها المتوقع، ويتأكد الأمر عندما يكون للعمل هدف عام حسن واضح وجلي.
وأنه للتمكن من دخول ’معترك‘ هذه الصناعة، لابد علينا من بعض التنازلات، ليكتب للعمل النجاح في السوق، ويستطيع كذلك من التأثير الإيجابي على الآخرين. وأن ’إصلاحها‘ لابد أن يكون باستراتيجية التدرج. لكن يظهر أن المصرحين بهذا الرأي من المختصين الشرعيين هم قلة، وربما كان كلامهم في سياق المشورات الخاصة لا خطاباً عاماً للناس. وأيضاً هنالك من يخفف في المسألة خاصة بالنسبة لموقف مشاهدي هذه الأعمال من باب فقه الموازانات.
إن جزئية وضوح الغاية الحسنة والأهداف والرسائل النبيلة في الأعمال المرئية مسألة لا يعارضها الكثير ممن يتبني موقف التوفيق كذلك. لكن الفرق بينهم وبين أصحاب موقف التدرج، ربما يكون أن أصحاب موقف التوفيق يروا بأن جزئية كون الأعمال واضحة في "هدفها للخير" يمكن أن تحسب في حسنات للعمل لكن ليس هو بالضرورة أساسياته. فإن توفرت في العمل (خاصة إن لم تأثر على فعاليته) كان خير وبركة، وإن لم تظهر أو يصرح بها صانعها، بقى العمل في دائرة المباح، دام أنه التزم في جزئياته بالتعليمات الإسلامية. وهم ربما في ذلك يختلفوا مع أصحاب موقف التدرج، في أن الغايات (النبيلة والحسنة) لا تبرر الوسيلة، فلا بد للعمل أجمعه ألا يحتوي على مخالفات متعمدة أو صريحة للتعليمات الإسلامية.
في الجزء التالي سنطرح بعض التحديات التي تواجه متبني موقف التوفيق بين الإسلام والأعمال المرئية.
مصدر ااصورة بالأعلى: https://tib.asbu.edu.tr/sites/fakulte_bolumler/dif/tib.asbu.edu.tr/files/inline-images/Hadis%20ABD%20k%C3%BC%C3%A7%C3%BCk.jpg