إن أبرز التحديات التي تواجه الراغبين في التوفيق بين الإسلام والأعمال المرئية هي طريقة ظهور المرأة، وهو تحدي يظهر أنه لا يمكن للموفق تجاوزه بدون شيئاً من التضحية.
يعتبر الكثير أن من أكثر الجزئيات التي تحصل عليها المخالفات الشرعية في الأعمال المتوفرة حالياً في الساحة. إن الفقهاء المبيحين للتمثيلهن وتصويرهن لن يفصلوا كثيراً في الجزئيات المتعلقة بها.
إن أحد أسباب عظم إشكالية المرأة في الأعمال المرئية يرجع إلى تعلق مخالفاتها بشكل مباشر لأمر مشكل فيما يتعلق بالنظر، ومن حيث أن الأعمال المرئية هي كذلك في الأساس مواد تستهلك بالنظر. فعندما تظهر المرأة بشكل غير متلزم، يكون صعباً على المشاهدين إستهلاك العمل بالتزام. ولتوضيح المقصود نعرض مثال التالي:
إن كنا نقول بأن شرب المسكرات الحرام وصناعة وعبادة الأوثان محرمة، لا يقول الكثير أن النظر إلى المسكرات بذات والأوثان في ذاتها محرماً. بينما في المقابل إن كانت لدينا امرأة (أو رجل) كاشفة لعورتها، فالكثير من الفقهاء يقول بعدم جواز -تعمد- النظر إلى هذه العروة المكشوفة.
وكذا إن كتب شخص رواية عن شخص كشف عورته، فالكثير يقول أن مجرد قراءة ذلك أو حتى الكتابة له بحد مجرداً لا يعتبره الكثير أمراً محرم في ذاته بالضرورة، لكن إن كان الأمر سيحول إلى عمل مرئي، فالحكم في الأمر يتغير، لمخالفة تعليمات النظر الشرعية.
إن المشاهد لوضع الأعمال المرئية عالمياً، يمكن أن يلحظ فيه ربما شيء من الابتذال في ظهور الممثلين والمرأة بشكل خاص. فكثيراً ما تظهر المرأة بسفور أو تبرج (لا يتوافق مع الآراء الفقهية المعتادة)، إضافة إلى ما يراه البعض من تسليع لها ينافي ’القيم الإنسانية‘.
لقد ركزت الكثير من الأعمال على إبراز الممثلين الوسيمين بشكل عام في أعمالها، وكثيراً ما يكون هذا الإبراز بشكل متحرر ومتبرج -حتى أكثر مما هو عليه واقع المشاهد المستهدف. كما يظهر الممثلين من الجنسين من غير المحارم في علاقات حب وغرام سواء أكانت داخل أم خارج إطار الزواج تمثيلاً.
إن إطلاق النظر إلى الممثلين غير المحتشمين أو المتلزمين بالتعليمات الإسلامية دون تحرج لأمر ربما تنتج منه افتتان أو اعجاب أو تعلق بالأشخاص المنظور إليهم قد يعود بالسلب على شخص المشاهد وعلى علاقته العاطفية المستقبلية أو الحالية الزوجية.
مما لا شك فيه أن متخذي موقف التوفيق بين الأعمال الفنية والإسلام، هم مضطرون في كثير من الأحيان إلى التضحية ببعض الأمور التي عادة لا يكون عليها تحرج عند الأعمال المرئية الغير ملتزمة بالتعليمات الإسلامية. ويرجع الأمر إلى الضوابط أو القيود ‘الإضافية’ التي يقرر الموفق أن يلتزم بها في أعماله، مما يجعله دائما وضع تنافسي ربما أضعف مقارنة مع قرنائه من غير الملتزمين.
ومن تلك القيود على سبيل المثال؛ تجنب عمل الأعمال التي يكون فيها أحد الممثلين كاشف عورته؛ فبتجنب تصوير النساء السافرات والمتبرجات -وإن ظهرن في معرض سلبي، ’لمنع النظر إلى عوراتهن بغير الاضطرار في كل الأحوال‘، ولا يصور مكان (كشارع) على أنه في زمننا هذا بمدينة معروفة اليوم أنه ليس كل من بها ساترٌ لعورته -حسب التعليمات الإسلامية، ولن يمثل شخصية معروف عنها أنها مثلاً إمرأة تكشف شعرها أمام الجميع كما هي، ولن يمثل مرأةً ملتزمة حينما تكون -على أنها- في الأماكن الخاصة (كبيتها)، حيث تكون فيهاا غالباً واقعياً غير ملتزمةً بحجابها.
إن التضحية ربما عادة تطون إما؛ بتجنب تصوير المشاهد المشكلة وفي هذه الحالة بشكل مثالي ابتداءً لا يكون السيناريو يحتوي عليها أصلاً؛ أو أن يحاول تصويرها بتصرف في الواقع من أجل الإلتزام بالضوابط الشرعية (فتصور المرأة في بيتها بالحجاب، ويصور الشارع العام وكل من فيه ملتزمون مغطون لعوراتهم).
وربما تجدر الإشارة هنا للمنادين بإيجاد البدائل للأعمال المرئية غير الملتزمة بالتعليمات الشرعية ، وهو أن البدائل دائماً ستكون جزئية في تغطية الطلب على الأعمال السائدة، ولا يمكن أن تكون بدائل شاملة. من حيث أنه ليس كل محرم له بالضرورة بديل مباح يوازي له بالتمام فلا بديل واضح للخمر، وإن قلنا هنالك عصائر مباحة. وكون أن الشخص لا يمتنع عن المحرم إلا لو وجد بديل رضي عنه ربما تكون إشكالية فكرية، ومناهضية لمبدأ التسليم لمقتضيات التشريع الرباني، ومجاهدة النفس وهواها. وبالتطبيق على الأعمال المرئية فلن تكون هنالك بدائل لمن يشاهدوا الأعمال المرئية سواءاً الرائجة أو القذرة منها في حالة كان الأمر لهم استجابة لشهوة عاطفية أو غرائزية محرمة.
في الجزء التالي سنطرح بعض تأملات حول طبيعة القيود التي تفرض على الصانع عند قراره التوفيق بين الإسلام والأعمال المرئية.