هنالك قضايا متعلقة بالإنتاجات المرئية ولكنها ليست جزءاً في صلبها. قد يكون من المفيد مناقشتها كذلك.
تتسم مهرجانات الأفلام الدولية بطابع متحرر (بعض الأحيان حتى مقارنة مع المجتمعات ذات الغالبية غير المسلمة التي تقام فيها)، يظهر فيها النساء بفساتين "سهرات" في الغالب تكون غير متوافقة مع التعليمات الشرعية. كما بقدم كذلك في الكثير منها المسكرات (من باب أنها مناسبة ابتهاجيه).
إنه بلا شك هنالك جانب إيجابي من هذه المهرجانات عالمية، مثل ما يحقق الفوز بمسابقاتها من دور في المساعدة للترويج إلى أعمال صانع المحتوى المرئي، وكذلك لما يحضر فيها من أشخاص يكونوا في كثير من الأحيان ممن لهم نفوذهم وتأثيرهم وبإمكان الصانع الالتقاء بهم وعمل علاقة معهم قد تكون مفيدة لعمله.
ربما يكون الحل الأحرى في التعامل معها هو أن يتجنب حضورها لمن احتاج يكون محصوراً في الفقرات التي بها تكون الأكثر جديةً، كندوات النقاش، ولقاء المستثمرين، واجتناب فقرات الاستقبال الاستعراضي أو ما يعرف المشي على البساط الأحمر، وحفلات ما بعد المهرجات، وحفلات تجمع الحضور لتكريم الفائزين. إن التغطية الإعلامية لهذه المهرجانات، يخصص منه جزء غير بسيط يخصص لمظاهر وأزياء الحضور وتبرز فيه الكثير من الصور لمناظر لباسيه تتنافى مع التعليمات الإسلامية.
ولعل أمر المهرجانات في دول ذات الغالبية المسلمة أهون أمراً في بعض الأحيان، فيكون التحرج معها أقل.
يجدر التنويه إلى نقطة قد تكون حساسة ويغفل عنها الكثير بما فيهم بعض الملتزمين بالتعليمات الإسلامية، وهي وإن كانوا أنفسهم يستهلكون بعض المواد المرئية العامة، والتي تحتوي على بعض المنكرات، بحجة أن يكونوا مطلعين على ما يجري في مجالهم، مع اجتهادهم لعدم التعرض للمنكرات التي فيها -ما أمكن، فإن الأصح لهم -كما يبدو- كذلك ألا يروجوا لهذه الأعمال الغير ملتزمة منها (التي لا تخلوا من المنكرات) لعامة الناس، خاصة ممن هم من غير المختصين في المجال، كي لا يكونوا بفعلهم مروجون لها. ولا يساهموا في تطبيع المنكرات على أنها أمور عادية، فربما تحولت مع الوقت لأمور معتادة للعامة لا تصبح تنكر لاحقاً، وذلك بسبب حديث المتكلمين عنها بدون تحفظ عن ما فيها من مساوئ ومخالفات شرعية.
وقد يعد البعض أن المتحدث عن مشاهدته للأعمال المرئية التي تحتوي على مخالفات شرعية صريحة (مثل كشف ما يعتبر عورة) أنه يندرج تحت المجاهرة بالمعصية والتي حذرنا منها الإسلام، وأن الأفضل وإن كان من أهل الاختصاص في الصنعة هو عدم التحدث أمام عامة الناس عن الأعمال والتستر على ما قد يكون شاهده.
ولعله ان ضاق الحال بالشخص، ورغب في التحدث عن الأعمال المرئية التي بها مخالفات شرعية، أن يقوموا -بأضعف الإيمان- بالإفصاح عن ما فيها من منكرات، ويبينوا اعتراضهم عليها، ونحو ذلك. مما قد يخلي ذمتهم كمروجين غير مباشرين لها.
إن الأعمال المرئية قد تكون من الأمور التي تصل وتأثر على شريحة كبيرة من الناس. وقد تم استخدامها وتستخدم اليوم لأغراض ومقاصد "سيئة" بالإضافة إلى الاستخدام الحسن لها. لكن للتحذير، نشير إلى بعض الاستخدامات السيئة لها؛ تطبيع بعض الأمور المنكرة شرعاً والتي يرغب بعض صناع الأعمال المرئية (ربما لبعض قناعاتهم الشخصية الغير متوافقة مع الشرع) في جعلها أمور معتادة غير منكرة في مجتمع معين. وقد نجحت بعض الأعمال المرئية في المساهمة من الترويج للشذوذ الجنسي، والعلاقات الغير شرعية، والترويج للأبطال الملحدين، وتصوير الملتزمون في بعض الأحيان على أنهم أشرار (وغير عاديين) ومعادين للسلم والأمان.
وتسخر الأفلام كذلك في جوانب سياسي بشكل سيء. مثل أن تجد أعمال مرئية التي تمجيد في شخصية معينة تصب في مصلحة حاكم مستبد أو طاغية. وتحرف الأحداث التاريخية عمداً من أجل تكريس مفهوم وطني قُطري أو قومي. وتنزل الأدلجات المعاصرة على الأحداث التاريخية السابقة لها والتي قد تعكس صراعات العصر الحالي بين الدول وبعضها. ومن ذلك، الأعمال التي استخدمتها النازية والشيوعية لخطاب شعوبهم "بروباجاندا" واقتناعهم بأمور قد لا تبدو حسنة، إضافة إلى تأجيج الصراعات العرقية. ومنها التمجيد الزائد للسلاطين العثمانيين والنقيض كذلك من الشيطنة لهم وأنهم سبب كل خراب يعيشه المسلمون اليوم.
ربما تكون النصيحة هنا، في محاولة معرفة دائماً من هم وراء الأعمال المرئية، وماهي أجنداتهم المحتملة، وذلك للتقليل الانخداع بما قد تحتويه بعض الأعمال من السيئة، التي قد يقع الشخص في شراكها وهو لا يدري. وربما يتحوط أكثر عندما تدخل الحكومات في تمويل المشاريع المرئية بشكل مباشر، لغلبة الانحياز على كثير من ما يقوموا بدعمه، ربما بشكل خاص في المنطقة العربية.
قد يغفل البعض في أن ارتياده لفيلم به مخالفات شرعية في السينما أنه يساهم بفعله في دعم هذا الفيلم. أولا صالات العرض في العادة تحصي أعداد التذاكر التي باعتها، لتحدد المدة التي تبقي فيه الفيلم في الصالات. فلو كان الفيلم عليه إقبال ففي الغالب يبقى أكثر في الصالة. وعلى ذلك فإن الفرد الذي يشتري تذكرة لحضور فيلم فيه مخالفات شرعية يمكنه أن يكون كذلك جزء مما يساهم في إبقاء الفيلم لفترة أطول (وبالتالي محتمل تعرض ناس أكثر له). هذا غير الدعم المباشر لصناع هذه الأفلام الغير ملتزمة، فلو رأى أصحاب دور العرض أن فيلماً لمخرجاً قد حقق مبيعات طيبة، فإن احتمالية قبول أفلام أخرى إما مشابهة أو من نفس الصانع من المنطقي أن تزيد، لذلك ربما دعم هذا في استمرار انتاج الأفلام المخالفة طالما كان عليها اقبال طيب.
ونفس المنطق السابق أيضاً ينطبق كذلك على المنصات التلفازية أو منصات البث عن طريق الإنترنت. حيث يوجد حرص لمحاولة معرفة ما هي المسلسلات التي عليها إقبال وكمية المقبلين عليها، مما يؤثر في القرارات المستقبلية للمنصة أو القناة. وكذا ينطبق الأمر على مواقع الفيديو مثل يوتيوب وما شابهه من حيث أن كل مشاهدة يمكن أن تنعكس لقيمة مادية. الخلاصة أن مشاهدة المحتوى الذي به مخالفات لا يقتصر ضرره على المشاهد فحسب وانما في الغالب يساهم في نشر الضرر للآخرين. إن المشاهد في العالم الرقمي خصوصاً أشبه بشكل مباشر أشبه بالمصوت، كما شاهد أمر وان لم يضغط على تعليم الإعجاب، فإنه يدعم ذلك المحتوى.
وعند التطرق للمنصات المربوطة بالإنترنت والتي زاد رواجها مؤخراً والتي تعرض مكتبة من الأفلام والمسلسلات مثل نتفلكس وما شابهها، فإن الاشتراكات بها تدخل بشكل مباشر في ميزانية الأعمال المستقبلية التي يصنعونها. حيث أنهم عادة لا يكونوا مجرد عارضين للمحتوى وإنما يشاركوا كذلك في انتاج محتوى "أصلي" خاص بهم أو باسمهم. لذلك فإن المشترك في هذه المنصات هو مشارك سواء درى أو لم يدري في تمويل الأفلام والمسلسلات المستقبلية لهذه المنصات (بما فيها من مخالفات شرعية)، وإن كان يستخدم إشتراكه في مشاهدة المحتويات التي لا تحتوي على مخالفات شرعية. فالعبرة بالنسبة للمنصة تكون في الغالب لما يقبل عليه أكثير الناس، بحيث ينتجوا المزيد من في المستقبل. كما أن المنصات العالمية لا تأخذ بعين الحسبان الاستهلاك في منطقة جغرافية واحدة فحسب، وإنما تنظر لما هو رائج كذلك في بقية أسواقها التي تعمل فيها. وإن من الملاحظ أن الرقابة في المنصات الجديدة مثل نيتفلكس هي في ضعف مستمر، والإنتاج العالمي عموماً يبدوا أنه يزيد تحللاً وقذارةً. فالأسلم لمن لم يرغب أن تكون له بصمة في دعم هذه الأعمال المرئية أن يمتنع أن يكون مشتركاً في هذه الخدمات، وبما استعاض عن الأمر عن طريق استئجار أو شراء الأعمال المرئية الحسنة بذاتها مفردةً.
هنالك لبس حول تسمية الأعمال الملتزمة بالتعليمات أو الضوابط الشرعية الإسلامية. فبخصوص تسميتها بإسلامية، يعترض البعض أن تسميتها بإسلامية قد يوحي بأنها جزء من الإسلام، أو أنها تمثل الدين الإسلامي ذاته. ويرى آخرون أن إعطائها اسم "إسلامية" يضع حملاً ثقيل على الفقهاء وأنهم يجب أن يشتركوا في مسؤولية هذه الأعمال، مما يراه أنه من غير اختصاصهم، بل إن دخولهم فيها قد يضر ويعرقل الصنعة. وأن دور الفقهاء في إعطاء إرشادات عامة في المسألة، وباقي العمل يكون من أهل اختصاصها. رغم أنه واقعياً يستخدم مصطلح "إسلامي" بمعنى ملتزم بالإسلام وأنه غير مخالف لها كما لما تستخدم في سياق "البنوك الإسلامية"، إلا أن الكلمة قد تدل كذلك على كل ما يتعلق بالمسلمين، الذين يعتنقون الإسلام عموما، كما عندما تستخدم في قول التاريخ الإسلامي، وهنا بالتأكيد لا يقصد به معنى تاريخ الأحداث المتوافقة مع التعليمات الشرعية.
ونجد المصطلح كذلك في وصف التراث المعماري، فيستخدم مصطلح العمارة الإسلامية، وأيضا هنا يدخل بعض اللبس بعض الشيء بالمقصود هل هو وصف لإنتاج المسلمون عموما، وإن كان تصميما لخمارة أو بيت دعارة أم أنه يقتصر على التصاميم للأغراض المباحة، أو التي ربما روعي فيها التعليمات الإسلامية؟
وفي بعض الأحيان يستخدم المصطلح في سياق العمارة للإشارة إلى إنتاج المناطق التي اشتهر فيها الإسلام أو ذات غالبية فيها، ربما ما يتنج مما عرف اليوم بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي ربما كان تأثير العرب فيها أقوى، وإن كان صاحب الإنتاج من غير المدينين بالإسلام، طالما أنه في ضمن المنطقة الجغرافية. وبهذا المعنى قد تستثنى إنتاجات المسلمين في اليابان أو شمال أوروبا، خاصة إن كانت أعمالهم تتسم بشكل قوي بذوق بلادهم المحلي في العمارة، وربما وشمل الأمر وإن كانت إنتاجهم المحلي هذا عبارة عن مساجد على سبيل المثال.
ثم مصطلح آخر ربما كان رائجاً في القديم أكثر من اليوم وهو "دينية"، ويقصد بيها في الغالب الأعمال المتعلقة بتاريخ المسلمين. وأيضاً هذه التسمية فيها نفس الإشكاليات المحتملة من كلمة "إسلامية"، من عدم التفريق بينها وما هو مرتبط بشكل مباشر بالإسلام كالصلاة الإسلامية أو الأعياد الإسلامية. إضافة إلها أنها غير دقيقة في وصف الأعمال المرئية المقصودة بها. حيث يرى داعمون الأعمال المرئية الملتزمة أنه من منظور ديني على الأعمال ألا تقتصر فقط على الأعمال التاريخية، وأن تشمل كذلك الأعمال ربما الأعمال الفكاهية، والأعمال الاجتماعية التي تتطرق لمواضيع معاصرة. ومن المعلوم كذلك أنه ليست كل الأعمال التي عن تاريخ المسلمين وسميت بالدينية هي في الواقع أو الغالب ملتزمة بالضرورة بالتعليمات الإسلامية، وإنما في بعض الأحيان تكون مثلها مثل الأعمال الأخرى التي لا تتناول تاريخ المسلمين.
وهنالك مصطلح "الحلال"، وهو ربما مصطلح رائج أكثر عند المسلمين من غير العرب، وهو صحيح وقريب كذلك من مصطلح "مباحة" أو "جائزة". إلا أن مصطلح حلال قد يشكل تشويشاً أيضاً عند بعض الجاليات المسلمة والتي تشتهر عندها الكلمة في المدلول على الأطعمة وبالأخص للذبائح التي تعمل طبقاً للهدي النبوي.
وفضل آخرون بتسمية الملتزمة بالهادفة أو صاحبة رسالة، لكن كما بينا في قسم المواقف المؤيدة، من أنه هنالك خلاف على أهمية وضوح الأهداف الطيبة للأعمال الملتزمة لأغلب الناس، هل هو أمر أساسي لها أم لا. ثم إن البعض قد يُحاجج أن المصطلح غير دقيق في التعبير كون أنه فعلياً يمكن أن تكون هنالك أعمال ذات أهداف طيبة واضحة لكنها تجمع أيضاً بعض المخالفات الشرعية أو لا تكون ملتزمة في جميع مشاهدها أو أجزاءها.
والذي يبدوا أنه أدق التعابير في وصف هذه الأعمال الفنية، هو القول بأنها متوافقة أو منضبطة أو ملتزمة أو متقيدة أو غير متعارضة مع التعليمات أو الإرشادات أو الضوابط أو الأوامر الشرعية أو الإسلامية.
تبدو أن هنالك علاقة بين إطلاق النظر دون تخرج إلى الجنس الآخر (سواءً كان على الشاشات أو على الواقع)، وبين احتمالية أن يتمادى الشخص في أمور أخرى منكرة. وربما كان ذلك على سبيل التدرج، أن المحرم يجر محرم آخر. فإن كان الشخص يرتضي لنفسه أن ينظر إلى بعض العورات (التي لا يجوز النظر إليها حسن التعليمات الإسلامية) الشعر ويضع حداً عنده، ربما مع الوقت تمادى هذا الخط ليشمل الأكتاف ثم السيقان، وهكذا، ربما يتم زحف الحد مع الوقت، وربما وقع في الأمر وهو غير راضي فعلاً عنه. والواقع أن كثير من الأعمال المرئية لا تضع بالضرورة حد عند شعر المرأة على تكون باقي الأمور محتشمة. وربما قال الشخص أنه فقط لا يشاهد القبلات وما أعلى منها، ماذا عن مشاهدة الأحضان والرقص. ثم يمكن أن يتنازل أكثر ويقول أنه لا يشاهد مشاهد المعاشرة الجنسية، قد يتنازل أكثر ويقول لا يشاهد منها ما يكون فاضحاً كاشفاً للعورات المغلظة وهكذا. وربما يكون انخدع بالتدرج في التنازل، حتى كاد لا يمتنع عن مشاهدة أي محظور. وقد تنطبق هنا فكرة اتباع خطوات الشيطان، كون أن التنازل يكون تدريجيا ثم يتم التمادي. وقد ينعكس التمادي في التحرر نظر المشاهد على الشاشات إلى خارجها، فيجد نفسه لا يغض نظره أيضاً عما في الحياة العامة (ربما لاعتياده الأمر على الشاشات). وربما مع استمراء للمحظورات المشاهدة، لا يستدرج لأن يمارس بعض منها في الواقع.
يبدو أن الأسلم هنا أن يضع الشخص بينه وبين المحظورات حواجز إضافية ان أمكن، ومن هذا يكون حتى من الأولى للرجل عدم مشاهدة الأعمال المرئية التي تحتوي على نساء فاتنات أو جميلات بالنسبة له وإن التزمن بالحد الأدنى من الحجاب الشرعي، وكذا الأمر بالنسبة للمرأة تجاه الرجال. وبذلك تسد الذريعة التي بإمكانها أن تتطور إلى ما هو أسوء.
كون أن أشهر الناس الذين في هذه الصنعة هم من غير المسلمين، وكونها حتى عند غير المسلمين مشهورة أكثر عند المتحررين منهم. اقتضى التنويه أن دراسة هذه الصنعة لا تقارن بمجالات أخرى مثل الطب والهندسة وإدارة الأعمال، بحيث أن كثير ممن فيها هو حتى بمقاييس غير المسلمين متحرر، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على المتعلم عندما يأتي الأمر إلى محاولة التمسك بالتعليمات الإسلامية.
من ناحية أخرى فإن طبيعة كثير من مدارس هذه الصنعة تعتمد على الجانب العملي، مما يعني في الغالب أن يكون هنالك مشاركة مع الطلبة الآخرين في عمل أعمال مرئية، وكون كثير من هؤلاء الطلبة من غير المسلمين، فقد يجد المسلم الملتزم نفسه في حرج عند مشاركته في هذه الأعمال التي لا تضمن أن تكون دائماً على رغبته، فربما اضطر للتنازل من أجل رأي الغالبية، وربما يكون شارك في إظهار عمل لا يتوافق مع التعليمات الإسلامية على الأقل خلال فترة دراسته، وبسبب أن الأعمال المرئية مسجله، فقط تستمر وما بها من مخالفات إلى ما بعد انتهاء فترة الدراسة.
وقد يشتد الأمر أكثر في تعلم التمثيل، حيث بحجة تعلمه لا توضع الكثير من الضوابط بين الجنسين، فيقع المتعلم لها إلى مخالفات شرعية فيما يتعلف بالتعامل مع الجنس الآخر، ناهيك عن مسألة غض النظر.
ويبدو هنا أن الأفضل هو محاولة تعلم هذه الصنعة مع مجموعة من الأفراد ذوي نفس التوجه الإسلامي، وذلك ليضمن أكثر أن تمرنهم يكون متوافقاً مع التعليمات الإسلامية. ومن المعروف أن الحصول على شهادة في هذا المجال ليس ضروريا من أجل أن يكون الشخص صانع محتوى فكثير من حتى المشاهير خارج العالم الإسلامي، هم من غير الدراسين بشكل انتظامي لها. وأن التمرس والخبرة هي الأهم في هذا المجال. لذا فإن الشخص الحريص على دينة، ربما يكون الأفضل له أن يتعلم الجانب النظري لها عن طريق الدورات والكتب، ويكون التطبيق محلياً مع من يتفقون معه على الأفكار الإسلامية. وربما كانت معاهد دراسة المجال في المناطق ذات الغالبية المسلمة أفضل حالاً من غيرها.
قد يبدو هذا الأمر غريباً، حيث أن التزام العامل في صناعة الأعمال المرئية قد لا يبدو مهماً، إن لتزم هذا العامل في علمه على العلم المرئي بالتعليمات الإسلامية، فما دخل عدم التزامه العام؟
هذا صحيح أنه أمر عام في بعض أجزاءه لا يرتبط بصنعة الأعمال المرئية على وجه خاص، وهي أنه العمل مع الأِشخاص غير الملتزمين هو أمر يكسبهم مادياً وشهرةً وأن الأولى هو افادة واشهار الملتزمين أكثر من غيرهم. لكن عندنا يأتي الأمر إلى الأعمال المرئية فثمة جوانب أخر، كما يكون في حالة الممثلين والممثلات الغير ملتزمات، فإن مشاركتهم وإن كانت ملتزمة في العمل الخاص بالشخص، لها دور في الترويج لهم عموماً ولأعمالهم الأخرى الغير ملتزمة بشكل غير مباشر. فقد يعجب شخص بتمثيل الشخص في العمل الملتزم دينياً، ثم يبحث عن أعمال الأخرى الغير ملتزمة ويشاهدها كذلك. ثم أيضاً هنالك تناقض بين ظهور الممثل أو الممثلة في العمل الملتزم وبين ظهورهم في الحياة العامة والضوء المسلط عليهم وعلى حياتهم التي سنفترض أنها غير ملتزمة ويظهروا في الحياة العامة بشكل غير ملتزم، فقد يكون العمل الملتزم ما جعل بعض الناس ليتابعوا هؤلاء المشاهير أو "النجوم" المحتفى بهم.
وكذا الأمر عند التعاون مع مخرجين غير ملتزمين، فإن نجح على سبيل المثال عمل معهم ملتزم، فإن من شأن ذلك أن يزيد من شعبيتهم ويجعل الناس تتابع أعمالهم الأخرى السابقة أو المستقبلة الغير ملتزمة. لذا فبرغم إقرارنا على مبدأ عدم تعدي المسؤولية، وأنه ربما لا بأس أن يتعاون معهم إن كانوا ملتزمين فقط في العمل المعني المشترك معهم، إلا أن الأفضل كما يبدو إن أمكن هو التعاون مع من تكون توجهاتهم في عموم أعمالهم ملتزمة بالتعليمات الإسلامية.
والأمر معضل أيضا لكل من هم بالصنعة، من محرر العمل الذي لا يرضى عنه، ومصور العمل، والممثل والممثلة الذين ربما واجهوا ضغوطات من صناع العمل ليظهروا بشكل غير ملتزم، وإن تمكنوا من أداء دورهم بالتزام لكن العمل النهائي في ذاته به المخالفات الشرعية، وغير ذلك. ثم كيف يضمن هؤلاء دخل ثابت لهم إن كان جو البيئة العام غير ملتزم، الأمر الذي قد يؤدي لتنازلهم من أجل التكسب الأدنى!
ويقاس على هذا الأمر توزيع الأعمال الملتزمة على المنصات التي لا تقيد ما تعرض بالملتزم، بل قد يكون غالب ما تعرض غير ملتزم في تفاصيله بالتعليمات الإسلامية. لكن قد يكون الأمر هنا أصعب من الأمثلة السابقة، كون أن الموزعين قد يكونوا أقلل عدداً في السوق، والذي قد يحتوي كذلك على موزعين عالمين، يصعب التربح من الصنعة دون التعاون معهم. لكن لعل الأمر يوضع في الحسبان فحسب، فإن كان الشخص محتاراً بين منصتي توزيع لعمله، فربما قارن بالأعمال الأخرى التي يوزعونها، وكان مدة التزاميتها عاملاً في قراره. وهذه إشكالية عامة حتى مع المحتوى المرئي غير الدرامي، فطالما شوهدت بعض القنوات المتحررة -غير الملتزمة- تروج لبرامج دينية (افتاء) مع بين برامجها الأخرى الغير ملتزمة. أو أنه ينتهي برنامج الإفتاء ثم يدخل على برنامج متحرر. ونفس الأمر على المنصات الرقمية فإن العمل الملتزم إن كان ناجحاً بشكل خاص، سيكون من شأنه أن يروج للمنصة ذاتها، وبكل ما تحويه. ففي حالة مثالية يكون منافذ التوزيع أيضاً ملتزمة.
مما لا شك فيه أنه نشر المعرفة بالتاريخ عموماً هو من الأمور المحمودة، وربما كان العمل المرئي أفود في بعض الحالات إن جمع بين سرد التاريخ والتسلية العامة الترفيهية المقصودة منه. لكن العمل التاريخي الدراما له إشكالات ربما كان من الجيد التنويه على بعضها، حيث قد تتعارض جزئياً مع التعليمات الإسلامية.
أول هذه الإشكالات هو تمثيل الأشخاص بعينهم وما لابد أن يدخل فيه -إن كان عملاً دراميا- من تأليف على الشخصية الممثلة. حيث لا يوجد شخص تعرف كل تفاصيل حياته في كل الأمكنة، لذا هناك حاجة إلى هذا التأليف. وقد يسقط الحرج بمبدأ أنه المشاهد يعرف أن الدرامي تقتضي الزيادة والتأليف فلا افتراء ولا كذب في المسألة. لكن الإشكالية قد تتعدى هذه الجزئية إلى صعوبة التفريق بين المذكور تاريخا وبين الجزء المؤلف، وبذلك ربما تصبح لدينا رواية تاريخية جديدة ناشئة من العمل التاريخي ويتعامل معها بنفس التعامل مع الروايات التاريخية التقليدية. والأمر يشتد أكثر ربما في الأعمال التي تتطرق إلى السيرة النبوية بالنسبة للمسلمين.
مسألة أخرى هو هل يتطلب أخذ الإذن والرضى من الشخص الممثل؟ وماذا ان كان الشخص الممثل قد توفي؟ وهل عمل العمل عنه يعد من اختراق خصوصياته وحرمته؟
مسألة ثالثة، وهي إن سلمنا أن مسؤولية التفريق بما هو تاريخي وتأليفي يرجع إلى المشاهد في المسؤولية وليس على الصانع، هل يحق لنا تأليف أمور سيئة عن الشخصية التاريخية؟ فمن الطبيعي أن البشر ليسوا معصومين. أم أن الأمر يعتبر من الافتراء والزور عليهم. ربما كان الأسلم هو أن يكون التأليف بحسب السياق التاريخي في الأمور العادية أو البسيطة والحسنة فقط، ولا يكون في الأمور السيئة الكبيرة.
وماذا عن عمل الأعمال الهجين بالتاريخي والخيالي، كأني تأتي بشخصية تاريخية في زمان غير زمانها، أو تروي رواية تاريخية بديلة -لم تحصل- للجمهور بشكل معلن.
انتهى الجانب الفكري الخاص، وفي القسم التالي سنستعرض الفتاوى والآراء الإسلامية المتعلقة بالجوانب المختلفة المرتبطة بالأعمال المرئية.