قد يبدوا للبعض أن التعارض في علاقة الإسلام مع الأعمال المرئية هو أكثر من التوافق بينهما. وربما كان -وما زال- يغلب على كثير من الأعمال المرئية مخالفتها لبعض التوجيهات الإسلامية (التمادي في علاقات الغرام بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج، وظهور المرأة بشكل تحرري غير ملتزم بالضوابط الشرعية، احتواءها على مشاهد تطبع منكرات كتعاطي المسكرات والترويج لأفكار منحرفة، إشكالية تمثيل شخصين أنهما زوجين وتقاربهما من بعض - بينما هم في الحقيقةً خارج التمثيل- ليسوا كذلك) ما ساعد في دفع بعص الشرعيين إلى منعها والميل لمعارضتها.
يرى البعض من هؤلاء المتحفظون تجاهها أنه من الأفضل لنا أن نتجنب الأعمال المرئية الفنية مشاهدة وصناعة، وبذلك تكون السلامة من مساوئها الظاهرة أو المتأصلة فيها. وتزداد حجية هذا الرأي في كون أن الكثير من هذه الأعمال، يعد في نظرهم من ’الكماليات‘ الترفيهية وليس من الأساسيات ’الضرورية‘ بذاتها. وربما مالوا إلى أن دفع الضرر أولى من جلب المصلحة وإلى باب سد الذرائع للمحظورات المحتملة والتي على حسب الواقع ليست قليلة.
ومن أمثلة الإشكاليات التي نوقشت في الماضي:
حكم الإسلام في التصوير بحد ذاته كوسيلة. حكم التمثيل كفعل وهل هو من الكذب. حكم تمثيل المسلم أنه غير مسلم وحكم تلفظه بالكفر أو شربه أمرا على أنه مسكر ومحاكته العبادة سوآءاً التي في الإسلام أو التي في الأديان الأخرى لغرض التمثيل. حكم الموسيقى والغناء -حيث أنها عادةً تكون داخلة بهذه الأعمال. أحكام النظر وغضه والعورة في الإسلام (الرجل للمرأة أو المرأة للرجل، وجانب إطالة نظر الرجال أو النساء للجنس المغاير من غير المحارم دون تحرج، والافتتان المضر الذي قد ينتج من هذا). العلاقة بين الجنسين في العمل "الاختلاط"، بمجال يتسم بساعات العمل الطويل وببيئات عمل ضيقة، وبخاصةً للممثلين. حكم الرسم وصناعة التماثيل، والتي يمكن أن تكون جزءاً من عملية أنتاج الصنعة.
ويرى آخرون أن الأعمال المرئية من حيث الأصل لا حرج شرعي بها، وأنها "مباحة"، يمكن لنا التعامل معها، فهي يمكن أن تعتبر كالوسائل والأدوات الحيادية، والحكم عليها بحسب محتواها وطريقة استخدامها. فلها أن تستخدم في الحلال أو أن تستخدم في الحرام، ويكون التقييم على كل عمل بذاته.
بل ويرى آخرون أن الأعمال المرئية قد تكون حتى مطلوبة، وذلك إن استخدمت في الخير وفائدة الناس، لما يلحظ من التأثير الكبير الذي يمكن أن تتمنع به. ومن هذا المنظور يمكن أن تسخر هذه الأعمال للدعوة إلى الدين ومكارم الأخلاق، وإبراز سير الصالحين، وتعليم الناس التاريخ، ونشر القصص ذات الفضائل والعبر، إضافةً إلى إدخال السرور على الناس، وخلق فرص للترفيه والرزق مباحة، وإنشاء بدائل يمكن أن تساعد في صرف الناس عن الأعمال الأخرى الهدامة والمخالفة للإسلام التي تفرض وجودها في السوق.
في الجزء التالي سنفصل في المواقف الدينية المؤيدة للأعمال المرئية.