يتساءل كثير من المسلمين عن موقف الإسلام من دور الخيالة (السينما) والمسرح وما شابهها. وهل يحل للمسلم ارتيادها أم يحرم عليه؟ ولا شك أن (السينما) وما ماثلها أداة هامة من أدوات التوجيه والترفيه، وشأنها شأن كل أداة، فهي إما أن تستعمل في الخير، أو تستعمل في الشر، فـهـي بذاتها لا بأس بها ولا شيء فيها، والحكم في شأنها يكون بحسب ما تلديه وتقوم به.
وهكذا نرى في السينما: هي حلال طيب، بل قد تسُتحب وتطُلب، إذا توفرت لها الشروط الآتية:
أولاً: أن تتنزه موضوعاتها التي تعُرض فيها عـن المـجـون والفـسـق، وكـل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه، فأما الروايات التي تثير الغـرائـز الدنيا، أو تحرض على الإثم أو تغري بالجريمة، أو تدعو لأفكار منحرفة، أو تروج لعقائد باطلة، إلى آخر ما نعرف، فـهـي حرام، لا يحل للمسلم أن يشاهدها أو يشجعها ، فضلاً عن أن ينتجها، أو يشارك في إنتاجها بوجه ما. لأن ذلك لون من التعاون على الإثم والعدوان.
ثانياً: ألا تشغله عن واجب ديني أو دنيوي. وفي طليعة الواجبات: الصلوات الخمس التي فرضها الله كل يوم على المسلم، فلا يجوز للمسلم أن يضيع صلاة مكتوبة -كصلاة المغرب- من أجل رواية يشاهدها. قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5]. وفسر السهو عنها بتأخيرها حتى يفوت وقتها. وقد جعل القرآن من جملة أسباب تحريم الخمر والميسر: أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
ثالثاً: أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثير، بين الرجال والنساء الأجنبيات منهم، منعاً للفتنة، ودرءاً للشبهة، ولا سيما أن المشاهدة لا تتم إلا تحت ستار الظلام. وقد جاء في الحديث: <لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له>(1).
---------------------------------------
(1) رواه الطبراني في الكبير (487،486)، وقال المنذري في الترغيب (2938)، والهيثمي في المجمع (7718): رجاله ثقات رجال الصحيح. وصححه الألباني في غاية المرام (196).
رواه البيهقي والطبراني وقال الهيثمي: رواه الطبراني رجاله ثقات رجال الصحيح (326/4)، وذكره الألباني في "صحيح الجامع" (5045) وحسنه في "غاية المرام" (196).
ص354، الحلال والحرام في الإسلام، يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة - الطبعة الأولى 2012م
ص145 - 146، فقه اللهو والترويح، يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة 2005م
اعترض الشيخ الفاضل [صالح بن فوزان الفوزان] على ما ذكرته من جواز دخول السينما إذا تحققت الضوابط والشروط التي حددتها ، حيث رأيت أن السينما والمسرح لهما حكم الوسائل، لا المقاصد، وانصب اعتراضه على وجهين:
الأول: استحالة تحقق الضوابط والشروط التي ذكرتها، أو خلو السينما والمسرح من المحاذير الواقع فيها، ولأنها لو خلت من هذه الأشياء لم يحصل الإقبال عليها، ولم يكثر مرتادوها.
الثاني: عدم خلو دور السينما من التصوير، الذي يراه الفوزان محرماُ.
والحق أن السينما والمسرح وما شابههما أداة مهمة من أدوات التوجيه والترفيه، وشأنها شأن كل أداة، فهي إما أن تستعمل في الخير، أو تستعمل في الشر، فهي بذاتها لا بأس بها، ولا شيء فيها. والحكم في شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به.
وحديثي عن السينما كان منصباً على أصلها لا عما يعرض فيها الآن. وعندما ذكرت أن الحكم فيها يكون بحسب ما تعرضه، فقد ذكرت شروطًا لا بد من توافرها حتى يتجه القول بالإباحة.
وإذا لم تتوافر هذه الشروط فإن القول بأنني أبيحها دون هذه القيود نوع من التقول علي بما لم أقل، وهو ضرب من الشغب الأرعن، والمزايدة بلا مستند.
أما كون الواقع الآن يجعلني أحكم على هذه الأداة حكماً مطلقاً بالتحريم لأوافق الفوزان أو غيره فليس منهجي، ولو كنت سلكت هذا السبيل لنجوت من كثير من الخصومات والتشنيعات.
ثم إن هذه الطريقة في التفكير ليست من المنهجية في شيء؛ إذ أنني أتحدث عن السينما والمسرح، لا فيما يعرض فيهما من فسق أو مجون.
وإذا كان المنتقد يرى السينما والمسرح الآن خارج هذه الضوابط، فإنه يستطيع من خلال كتابي الذي اعترض عليه أن يرى الحكم في ذلك بعدم الجواز في هذه الحال.
أما إذا قام بعض المصلحين بتجنب هذه المفسدات، وعمل بهذه الشروط والضوابط، فلا داعي للتحريم والتشديد.
وهناك فارق كبير بين ما حرم لأصله، وما حرم لعلة طارئة عليه. فإذا زالت العلة رجع الحكم إلى الأصل. أما الفوزان، فإنه يحرم السينما كلها، وإن قدمت أفضل الأشياء، لأنها تقوم على التصوير، والتصوير عنده كله حرام!
ص479 - 480، الحلال والحرام في الإسلام، يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة - الطبعة الأولى 2012م
شروط جواز إرتياد السينما، برنامج الشريعة والحياة من قناة قناة الجزيرة على يوتيوب